الشائع والمعروف في عالم الطب أن المرض يسبق العلاج وأن الوقاية تسبق المرض ولهذا قالوا
درهم وقاية خير من قنطار علاج ).والطب الوقائي في الإسلام يقوم على قواعد أساسية من التحصن من شأنها أن تكسب الجسم مناعة ذاتية تقيه غوائل العدوى والأمراض
الوافدة وميكروباتها وفيروساتها المختلفة ...
يقول ابن قيم الجوزية : (وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل عنه إلى الدواء .. وقالوا : قدر على دفعه بالأغذية
والحمية لم يحاول دفعه بالأدوية .. وقالوا : ولا ينبغي للطبيب أن يولع بسقي الأدوية فإن الدواء إذا لم يجد في البدن داء يحلله أو وجد
داء لا يوافقه أو وجد ما يوافقه فزادت آميته عليه أو آيفيته تشبث بالصحة وعبث بها ) .
جاء في آتاب ((مع الطب في القرآن ) : (الفرق آبير بين أن نترك الإنسان ليصاب بالمرض ثم نسعى لمعالجته وبين أن نقية من المرض
أصلاً ).
أجل .. إن معالجة مريض (التدرن ) السل التي تستمر وسطياً حوالي سنة ونصف تكلف المريض والدولة أموالاً وإمكانات آبيرة إضافة
لما يعانيه المريض من العذاب والخطر بينما لا تتطلب وقايته من التدرن سوى لقاح يكلف بضعة قروش .
ولقد أدرك الحكماء القدامى هذا الفرق وآذلك الأمم الحديثة فأولوا الجوانب الوقائية الاهتمام الأول في آل التدابير الصحية .
وإنه ليأخذ الناظر في آتاب الله العجب العجاب حينما يجده قد أولى النواحي الوقائية الأهمية الكبرى وأرسى دعائم الطب الوقائي في
الوقت الذي لم يهمل معه النواحي العلاجية ولكن لا عجب في ذلك فالقرآن ذآر رب العالمين أنزله على الناس ليأخذ بناصيتهم إلى
الطريق القويم طريق الصحة والقوة والمجد ( إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم } .
لقد بين القرآن الكريم حينما نادى البشرية { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } بين لهم الطريق التي تؤدى بهم إلى الهلاك وحذرهم أشد
التحذير منها وتوعد من يسلكها أشد الوعيد رحمة به وبمجتمعه آما بين لهم السبل التي تسمو بهم جسدياً ونفسياً نحو الصحة والسلامة
آل ذلك في إطار علمي لم ولن يشهد التاريخ له مثيلاً .
فمن الأسباب الوقائية الطبية في الإسلام .
- الاهتمام بالطهارة والنظافة الشخصية والمجتمعية وإعلانه أن ((النظافة تدعو إلى الإيمان ))
- الحض على الأخذ بأسباب القوة الجسدية بشتى الرياضات ((المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف )).
- إدراك قيمة العافية والمحافظة عليها قال عبد الرحمن بن أبى ليلى : عن أبى الدرداء: ((قلت : يا رسول الله لأن أعافي فأشكر أحب من
أن أبتلى فأصبر فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ورسول الله يحب معك العافية )).
- التحذير من إتيان الخبائث المدمرة للصحة في المأآل والمشرب والمنكح وغيرها التي تورث العلل والأسقام وتورد الأمم موارد التهلكة
آوباء (الإيدز) الذي يقض مضاجع العالم اليوم لكونه يتسبب بفقدان المناعة المكتسبة ويجعل الإنسان المصاب عرضة لكل الآفات
والموت السريع المحقق يكفي هنا أن نشير إلى أن السبب الرئيسي لهذا المرض هو الشذوذ الجنسي ((اللواط )) ولنا عودة إلى هذا
الموضوع في مكان لاحق من هذا الكتاب ..
وقائية الإسلام عامة :
وإذا آان الإسلام وقائياً في مجال ((الطب الجسدي)) فإنه آذلك في آل المجالات الأخرى ..
فهو وقائي في مجال العقيدة .. فاطمئنان القلوب ثمرة من ثمرات معرفة الله تعالى وذآره .. والقلوب المتصلة بالله الذاآرة لا تعرف
القلق الذي تعيشه المجتمعات غير الإسلامية والذي أورثها الأمراض العصبية المختلفة ودفع بها في طريق الجريمة والانتحار إلى الدرك
الأسفل .. وصدق الله تعالى حيث يقول { ألا بذآر الله تطمئن القلوب } { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذآر الله }
وهو وقائي في مجال العبادة .. إذ أن الاستقامة والبعد عن الفحشاء والمنكر ثمرة من ثمرات الصلاة والصوم وغيرها .. فالوقائية تبدو
جلية في قول الله تعالى { إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر } وفي قوله { يا أيها الذين آمنوا آتب عليكم الصيام آما آتب على الذين
من قبلكم لعلكم تتقون }
أولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ((مثل الصلوات الخمس آمثل نهر جار غمر على باب أحدآم يغتسل منه آل يوم خمس مرات ))
وفي حديث آخر ((الصيام جنة (وقاية) فإذا آان يوم صوم أحدآم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم إني صائم
.. الحديث )).
فالعبادة وإن آان مقصدها التوجه إلى المعبود بالطاعة التزاماً لأمره وطلباً لمرضاته وآما يقول الشاطبى ((فالصلاة مثلاً أصل
مشروعيتها الخضوع لله سبحانه بإخلاص التوجه إليه والانتصاب على قدم الذلة والصغار بين يديه وتذآر النفس بالذآر له ) فإن لها
مقاصد أخرى تابعة تدخل في صلب عملية التكوين الوقائي للفرد والجماعة .. روى أبو داود أن رجلاً من خزاعة قال : ليتني صليت
فاسترحت فكأنهم عابوا ذلك عليه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((أقم الصلاة يا بلال أرحنا بها ..))
- وهو وقائي في مجال التشريع .. إذ أن الأحكام الشرعية التي من شأنها تنظيف المجتمع من الموبقات والعقوبات الإسلامية الزاجرة
الرادعة لمن تسول لهم نفوسهم ارتكاب المنكرات من شأنها أن تحفظ المجتمع سليماً معافى .
جاء في آتاب أصول الدعوة : (والحقيقة أن الشريعة تعن إصلاح الفرد إصلاحاً جذرياً عن طريق تربيته على معاني العقيدة الإسلامية
ومنها : مراقبة الله وخوفه منه وأداء ما افترضه عليه من ضروب العبادات وهذا آله سيجعل نفسه مطواعة لفعل الخير آارهة لفعل
الشر بعيدة عن ارتكاب الجرائم وفي آله أآبر زاجر للنفوس . وبالإضافة إلى ذلك فإن الشريعة تهتم بطهارة المجتمع وإزالة مفاسده ..
ولهذا ألزمت أفراده بإزالة المنكر ولاشك أن المجتمع الطاهر العفيف سيساعد آثيراً على منع الإجرام وقمع المجرمين وسيقوى جانب
الخير في النفوس ويسد منافذ الشر التي تطل منها النفوس العفيفة وفي هذا ضمان أيضاً لتقوية النفوس وإعطائها مناعة ضد الإجرام .
ولكن مع هذا آله فقد تسول للبعض نفوسهم ارتكاب الجرائم فكان لابد من عقوبة عاجلة زاجرة تمنعهم من العودة إليها وتردع الآخرين
الذين تسول لهم أنفسهم ارتكاب الجريمة وفي هذا استقرار للمجتمع وإشاعة للطمأنينة فيه )) .
من خلال ما تقدم والذي سقناه على سبيل المثال يتبين لنا أن اهتمام الإسلام بالجانب الوقائي يفوق بشكل آبير اهتمامه بالجانب العلاجي
وهذا ما يجعل المنهج الإسلامي متفرداً على سائر المناهج ذات المنحى العلاجي المرضى