لغز إنفلونزا الخنازير..! للكاتب السيد البابلي

كتبت مرارًا وتكرارًا أثناء الجدل الصاخب الذي صاحب ظهور إنفلونزا الخنازير مؤكدًا أنها مجرد نوع من أنواع الأنفلونزا وتعالج بنفس الطرق التي تستخدم في علاج الأنفلونزا العادية.

وكان اعتمادي في هذه الكتابات مستندًا إلى مجموعة من الآراء المدروسة لعدد من كبار الأطباء في مصر، ولتقارير دولية صحية في هذا الشأن منشورة على مواقع الانترنت وتشير إلى سهولة التعامل مع هذا المرض وعلاجه، كما كان العامل الأكبر في التأكيد على عدم الخطورة الحقيقية لهذا المرض واضحًا في العواصم الأوروبية العامة التي لم تتخذ في مطاراتها أو حتى عبر وسائل إعلامها أية تدابير مشددة غير عادية للتعامل مع الإنفلونزا..!

ولكننا في مصر فوجئنا بحملة إرهاب منظمة ومتوالية تؤكد لنا أن إنفلونزا الخنازير قادمة كوباء خلال شهري يناير وفبراير.. وأن هناك تدابيرًا وقائية ستتبع، ووصل الحديث عن خطورة المرض إلى الحد الذي خرج فيه علينا الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة ليحدثنا عن المقابر الجماعية التي في انتظارنا وليأتينا بشهادة وفتاوى دينية بأنه سيتم الدفن بالملابس في هذه المقابر..!

وبدأت وزارة الصحة في إصدار بيانات الرعب يوميًا عن حالات الإصابة بالإنفلونزا القاتلة، والمدارس التي تم إغلاقها بعد ظهور عدة حالات بها.. وصار الناس في حالة من الخوف من إرسال أبنائهم إلى المدارس، وانتابهم الرعب كلما زادت سخونة طفل أو بدأ يسعل ويرشح..!

وأتت الوزارة بعد ذلك بالمصل الذي قيل أنه المصل الواقي من المرض.. وكما استوردته أعادته لأن الناس لم تثق في مصل لم تظهر أثاره الجانبية بعد، ولم يمر على إنتاجه وقت طويل حتى يتأكد الناس من مفعوله، كما أن العديد من التقارير الطبية العالمية التي تم تداولها عبر مواقع الانترنت أيضا حذرت الناس من عواقب هذا المصل الذي قيل أن الهدف من إنتاجه هو جزء من مؤامرة دولية للتخلص من عدد كبير من سكان العالم تدريجيًا، وأن لهذا المصل عواقب خطيرة مدمرة..!

وبعد عزوف الناس عن المصل وعدم إقبالهم عليه، وبعد تراكم مخزون التاميفلو بدون استخدام، فإن شيئًا غريبًا بدأت تتضح معالمه رويدًا رويدًا، فأخبار الوفيات بسبب أنفلونزا الخنازير اختفت، ووزارة الصحة توقفت عن الإعلان عنها، والتحذيرات المستمرة المتكررة من إنفلونزا الخنازير لم تعد تشغل حيزًا يذكر في وسائل الإعلام، ووزارة الصحة أيضًا انشغلت بما هو أهم وهو قضية العلاج على نفقة الدولة وتفرغت لها، وأخيرًا قررت أن تعلن قبل أيام قليلة إلغاء إجراءات تعليق الدراسة بالفصول أو المدارس التي تظهر بها إصابات بفيروس إنفلونزا الخنازير والاكتفاء بإعطاء الطالب الذي ثبتت إصابته بالمرض أجازة لمدة أسبوع..!

وهو أمر يثير الحيرة والتساؤل ويمثل لغزًا من الألغاز التي لا نجد لها تفسيرًا أو معنى، فلماذا كان كل هذا الرعب والإرهاب، ولماذا كل هذا التراجع والإنزواء.

هل كان الخوف من أشهر الشتاء والبرد هو السبب ومع داللهم أغفرلىفصل الربيع والصيف يختفي الفيروس، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تعلن دول أوروبا حالة التأهب والترقب والاهتمام وأشهر الشتاء لديها طويلة وممتدة، والبرد فيها لا يقارن بالبرد عندنا..!

وإذا كان السبب هو اكتشاف ضعف الفيروس الذي وصل إلينا وإمكانية القضاء عليه بسهولة، فمن أين أتوا بكل هذه المعلومات المقلقة التي ساقوها إلينا من قبل..

وصحيح أن وزارة الصحة أدت دورًا في تحذير الناس واتخاذ احتياطات الوقاية والاستعداد، ولكن كل هذه الإجراءات والوسائل لابد أن تكون قائمة ومتبعة في المدارس والجامعات والمصالح العامة كإجراء من إجراءات النظافة والسلامة والوقاية من أي مرض ولا ينبغي أن تكون قاصر فقط على حملة الوقاية من إنفلونزا الخنازير..!

إن هذه الإنفلونزا كانت سرًا من الأسرار التي لن نعرف لها تفسيرًا الآن، ولا ندري لماذا أثيرت على هذا النحو، ومن أين واتت الدكتور الجبلي الجرأة ليتحدث عنها بهذا الشكل وعلى هذا النحو، فسيظل محفورًا في الأذهان أن أول من بشرنا في مصر بالمقابر الجماعية، ولا يوجد بشري أسود من هذا..!