منتديات كل جديد
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة :- إذا كنت عضو معنا يرجى التكرم بتسجيل الدخول

أو التسجيل إذا لم تكن عضو وترغب في الانضمام إلى أسرة المنتدى ، سنسعد بتسجيلك معنا وانضمامك إلى أسرتنا

منتديات كل جديد
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة :- إذا كنت عضو معنا يرجى التكرم بتسجيل الدخول

أو التسجيل إذا لم تكن عضو وترغب في الانضمام إلى أسرة المنتدى ، سنسعد بتسجيلك معنا وانضمامك إلى أسرتنا

منتديات كل جديد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات كل جديد

المنتدى الحاصل على جائزة التميز السنوية لعامى 2010 و2011 على التوالى
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
:: وما من كاتب إلا سيبلا .... ويبقى الدهر ما كتبت يداه .... فلا تكتب بكفك غير شيء .... يسرك فى القيامة أن تراه ::
:: زائرنا الكريم يسعدنا ويشرفنا ان تكون من بين اسرتنا فالمنتدى فى الفترة المقبله سيتحول الى مرحله جديده هى مرحلة الانتشار والتوسع ونود لو كان لديك افكار جديده ان تشاركنا بها الرأى كعضو من بين أسرتنا " منتديات كل جيد " ::

 

 مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه - الجزء الأول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمدرسلان
* مشرف ركن *
* مشرف ركن *
محمدرسلان


عدد المساهمات : 196
تاريخ التسجيل : 17/02/2010
العمر : 37

مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه - الجزء الأول Empty
مُساهمةموضوع: مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه - الجزء الأول   مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه - الجزء الأول Empty2010-10-21, 6:22 pm

لذا فقد تتبع الباحثون هذه الألفاظ، واجتهدوا لتعيين مراد الإمام منها، وما يحمل عليها من الأحكام، وهي كما يأتي:
1- قوله لا يصلح، لا ينبغي، أستقبحه، أو هو قبيح، أو قال: لا أراه، فهو للتحريم.
وقال البهوتي: "لكن حمل بعضهم "لا ينبغي" في مواضع من كلامه على الكـراهة".1
2- إن قال: "هذا حرام" ثمّ قال: "أكرهه"، أو: "لا يعجبني"، فحرام، وقيل يكره.2
3- وإن قال: "أكره"، أو: "لا يعجبني"، أو: "لا أحبه"، أو: "لا أستحسنه"، ففيه وجهان:
إحداهما: هو للتنزيه.
والثاني: أن ذلك للتحريم.
وقال المرداوي والبهوتي: الأولى النظر إلى القرائن … فإن دلت على وجوب أو ندب أو تحريم، أو كراهة، أو إباحة حمل قوله عليه، وقال في تصحيح الفروع وهو الصواب، وكلام أحمد يدل عليه.3

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفروع 1/66، كشاف القناع 1/21 والمسودة ص529.
2 الإنصاف 12/248 والمسودة ص 530.
3 كشاف القناع 1/21، تصحيح الفروع المطبوع مع الفروع 1/67-68، الإنصاف 12/248 ومفاتيح الفقه الحنبلي2/14، وما بعدها.



ص -103- 4- قوله: "لا بأس به"، أو: "لا نرى به بأساً"، "وأرجو"، أو: "أرجو أن لا يكون به بأساً، للإباحة".1
5- إذا قال: "أحب كذا"، أو: "يعجبني"، أو: "أعجب إلي" "وهذا أحسن"، أو: "حسن"، أو: "أستحسن كذا"، أو: "أستحب كذا"، فهو للندب، وقيل للوجوب.
وقال ابن حامد: إذا استحسن شيئاً، أو قال: هو حسن فهو للندب، وإن قال يعجبني، فهو للوجوب.2
6- إن أجاب عن شيء، ثم قال في غيره: "هذا أهون"، أو: "أشد"، أو: "أشنع"، فقيل: هما سواء، وقيل بالفرق.
وقال في الرعاية: "إن اتّحد المعنى وكثر التشابه، فالتسوية أولى، وإلاّ فلا، وقيل في قوله: "هذا أشنع عند الناس" يقتضي المنع، وقيل لا."
وقال في آداب المفتي: "الأولى النظر إلى القرائن في الكلّ، وما عرف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المسودة ص529، الإنصاف 12/249، صفة الفتوى ص91 ومفاتيح الفقه الحنبلي للثقفي 2/25.
2 الفروع 1/67-68، صفة الفتوى ص92، الإنصاف 12/248-249 وكشاف القناع 1/22.



ص -104- من عادة الإمام أحمد في ذلك ونحوه، وحسن الظن وحمله على أصح المحامل وأرجحها، وأنجحها، وأربحها."1
7- قوله: "أخشى"، أو: "أخاف أن يكون"، أو: "ألا يجوز؟"، أو: "لا يجوز"، أو: "أجبن عنه"، مذهبه كقوة كلام لم يعارضه أقوى.2
وقال المرداوي: "قوله أجبن عنه للجواز، وقيل يكره."
وقال في تهذيب الأجوبة: "جملة المذهب أنه إذا قال أجبن عنه، فإنه أذن بأنه مذهبه، وأنه ضعيف لا يقوى القوة التي يقطع بها، ولا يضعف الضعف الذي يوجب الرد."3
وكذلك إذا قال: "إني لا نفزعه"، أو: "لأتهيبه"، أو: "لا أجترئ عليه"، أو: "لأتوقاه"، أو: "من الناس من يتوقاه"، أو: "إني لأستوحش منه".4 فهذه الألفاظ تدلّ على توقّفه في المسألة لتعارض الأدلّة لديه.
8- وما أجاب عنه بكتاب، أو سنة، أو إجماع، أو قول بعض الصحابة، فهو مذهبه.5

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تصحيح الفروع 1/68، الإنصاف 12/249 والمسودة ص530.
2 كشاف القناع 1/22.
3 الإنصاف 12/250.
4 مفاتيح الفقه الحنبلي للثقفي 2/30.
5 المسودة ص530 والإنصاف 12/250.



ص -105- 9- وما رواه من سنة، أو أثر، أو صحّحه، أو حسّنه، أو رضي عن سنده، أو دوّنه في كتبه ولم يرده، ولم يفتِ بخلافه، فهو مذهبه.
وإن أفتى بحكم، فاعترض عليه فسكت، فليس رجوعاً.1
10- وإن نصّ على حكم مسألة ثمّ قال: "ولو قال قائل، أو ذهب إلى كذا- يعني حكماً بخلاف ما نص عليه - كان مذهباً، لم يكن ذلك مذهباً للإمام."2
11- وإن نُقل عن الإمام في مسألة قولان، فإن أمكن الجمع، ولو بحمل عام على خاص، ومطلق على مقيد، فهما مذهبه.
وإن تعذّر الجمع، وعلم التاريخ، فمذهبه الثاني لا غير، صحّحه في تصحيح الفروع.
وإن جهل التاريخ، فمذهبه أقربهما من الأدلّة، أو قواعد مذهبه، ويخصّ عام كلامه بخاصه في مسألة واحدة في الأصح.3

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الإنصاف 12/250، 251 والمسودة ص530.
2 المسودة ص531.
3 كشاف القناع 1/21، والفروع وتصحيحه 1/64-65.



ص -106- بعض مصطلحات أصحاب الإمام أحمد رحمه الله:
ما سبق كان بعض المصطلحات للإمام أحمد، خرجها أصحابه من فتاويه وللأصحاب اصطلاحات خاصة متداولة في كتبهم يحسن الإشارة إليها هنا، وهي قولهم:
1- النص والمنصوص: هو الصريح في الحكم بما لا يحتمل غيره.1
2- الرواية: هي الحكم المروي عن الإمام أحمد رحمه الله في المسألة قال في المسودة: والروايات المطلقة نصوص للإمام أحمد.2
3- الوجه: هو الحكم المنقول في المسألة لبعض أصحاب الإمام المجتهدين فيه ممن رآه، فمن بعدهم جارياً على قواعد الإمام أو إيمائه أو دليله، أو تعليله، أو سياق كلامه.3
4- قولهم بعد ذكر المسألة: "وعنه"، فهي عبارة عن رواية عن الإمام، والضمير فيه له، وإن لم يتقدم له ذكر لكونه معلوماً.4
5- التخريج: نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها، والتسوية بينهما فيه والتخريج بمعنى الاحتمال، وإنما يكون الاحتمال والتخريج إذا فهم المعنى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الإنصاف 1/9 و 12/240.
2 المسودة ص533 والمطلع ص460.
3 المطلع على أبواب المقنع ص460 والمسودة ص532.
4 المطلع ص460.



ص -107- وكان المخرج والمحتمل مساوياً لذلك المخرج منه في ذلك المعنى، كما إذا أفتى في مسألتين متشابهتين بحكمين مختلفين في وقتين جاز نقل الحكم، وتخريجه من كل واحد منهما إلى الأخرى، ما لم يفرق بينهما، أو يقرب الزمن.1
6- الاحتمال في معنى الوجه، إلاّ أن الوجه مجزوم بالفتيا به، والاحتمال تبين أن ذلك صالح لكونه وجهاً، وكثير من الاحتمالات في المذهب للقاضي أبي يعلى الفراء في كتابه المجرد وغيره.2 والاحتمال يكون: إما لدليل مرجوح بالنسبة إلى ما خالفه، أو لدليل مساو له. والقول يشمل الوجه، والاحتمال، والتخريج.
7- قولهم ظاهر المذهب: المراد بذلك مذهب الإمام أحمد والظاهر: البائن الذي ليس يخفي أنه المشهور في المذهب، كنقض الوضوء بأكل لحم الجزور.
8- التوقف: هو ترك القول في المسألة لتعارض الأدلة، وتعادلها عنده، فله حكم ما قبل الشرع من حظر، أو إباحة، أو وقف.3
9- قولهم: المذهب كذا، المراد منه: المأخوذ به في المذهب كذا:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الإنصاف 1/6، المطلع ص461 والمسودة ص532.
2 المطلع ص461 والإنصاف 1/6.
3 المسودة ص533.



ص -108- قال ابن حمدان: قول أصحابنا وغيرهم "المذهب كذا" قد يكون بنص الإمام أو بإيمائه، أو بتخريجهم ذلك، واستنباطهم إياه من قوله، أو تعليله.
10- وقولهم "على الأصح"، أو: "الصحيح"، أو: "الظاهر"، أو: "الأظهر"، أو: "المشهور"، أو: "الأشهر"، أو: "الأقوى"، أو: "الأقيس"، فقد يكون عن الإمام أحمد رحمه الله أو عن بعض أصحابه.
ثم الأصح عن الإمام رحمه الله، أو الأصحاب قد يكون شهرة وقد يكون نقلا، وقد يكون دليلاً، أو أنه الأصح عند القائل به.
وقولهم: "وقيل" فإنه قد يكون رواية بالإيماء، أو وجهاً، أو تخريجاً، أو احتمالاً.1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الإنصاف12/266، وصفة الفتوى113 وما بعدها.



ص -109- المبحث العاشر محنة القول بخلق القرآن
ظل المسلمون على ما كان عليه من قولهم إن القرآن غير مخلوق، قال محمد بن نوح: سمعت هارون أمير المؤمنين يقول: "بلغني أن بشر المريسى زعم أن القرآن مخلوق، عليّ، إن ظفرني الله به، لأقتلنّه قتلةً ما قتلها أحدٌ قطّ."
واستمرّ الأمر كذلك في زمن الأمين محمد بن هارون الرشيد.1
ثم ولي المأمون أبو جعفر عبد الله بن هارون الرشيد، فاستحوذ عليه جماعة من المعتزلة، فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل وزيّنوا له القول بخلق القرآن، ونفي الصفات عن الله عز وجل.2
وفي عام مائتين واثني عشر أعلن المأمون القول بخلق القرآن، وناظر من كان يغشى مجلسه في ذلك، ولكنه ترك الناس أحراراً فيما يذهبون إليه، وفي عام ثماني عشرة ومائتين رأى المأمون حمل الناس والعلماء، والقضاة والمفتين على القول بخلق القرآن الكريم، وكان آنذاك منشغلاً بغزو الروم، فكتب إلى نائبه إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنهج الأحمد 1/81، وأصول مذهب الإمام أحمد ص42، ومناقب الإمام أحمد ص385.
2 البداية والنهاية 10/346.



ص -110- يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن، فلما وصل الكتاب استدعى جماعة من أئمة الحديث فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا، فهددهم بالضرب، وقطع الأرزاق، فأجاب أكثرهم مكرهين، واستمر على الامتناع من ذلك الإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح، فحملا على بعير وسيرا إلى الخليفة عن أمره بذلك، وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد.1
ولمّا اقتربا من طرسوس جاءهما الصريخ بموت المأمون.2
ولكنه- عفا الله عنه- لم يودع هذه الدنيا من غير أن يوصي أخاه المعتصم بالاستمساك بمذهبه في القرآن، ودعوة الناس إليه بقوة السلطان. ولهذه الوصية لم تنقطع المحنة بوفاة المأمون، فأعيد إلى السجن ولبث فيه (ثمانية وعشرين شهراً) وقيل: نيفاً وثلاثين شهراً.3
ورأى المعتصم تنفيذ وصية أخيه، والقيام بدوره في المحنة، فعقد مجلساً حضره مستشاره ابن أبي دؤاد، واستدعى الإمام أحمد من السجن، وأحضر المعتصم له الفقهاء من المتكلمين فناظروه بحضرته لمدة ثلاثة أيام، وهو يناظرهم، ويظهر عليهم بالحجج القاطعة ويقول: أنا رجل علمت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البداية والنهاية 10/346، المنهج الأحمد 1/181-182 وأصول مذهب الإمام أحمد ص42.
2 سير أعلام النبلاء 11/241 والبداية والنهاية 10/346.
3 سير أعلام النبلاء 11/252 وأصول مذهب الأمام أحمد ص44.



ص -111- علماً، ولم أعلم فيه بهذا، أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقول به، ولما انقطعت حججهم، وأيسوا من إجابته لهم جعلوا يحرضون الخليفة عليه فقالوا: يا أمير المؤمنين، هذا كافر ضالّ مضلّ، وقال له إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد: يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن نخلي سبيله ويغلب خليفتين، فعند ذلك حمى واشتد غضبه، وكان ألينهم عريكة، وهو يظن أنهم على شيء، قال الإمام أحمد: فعند ذلك قال لي: لعنك الله، طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني، ثم قال: خذوه واخلعوه، واسحبوه. قال أحمد: فأخذت وسحبت، وخلعت وجيء بالعاقبين والسياط، وأنا أنظر...فقلت: يا أمير المؤمنين اللهَ اللهَ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث"،1 وتلوت الحديث، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم."2

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث أخرجه البخاري في صحيحه برقم: 6878- فتح الباري12/201- كتاب الديات، باب قوله تعالى:{إن النفس بالنفس والعين بالعين} الآية.
ومسلم في صحيحه 3/1302كتاب القسامة باب ما يباح به دم المسلم كلاهما من طريق عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله.
2 أخرجه البخاري في صحيحه برقم: 25، فتح الباري 1/75-كتاب الإيمان، باب: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}.
ومسلم في صحيحه 1/53 كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله برقم: 36.



ص -112- فبم تستحلّ دمي، ولم آت شيئاً من هذا؟ يا أمير المؤمنين، اذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي بين يديك، فكأنه أمسك، ثم لم يزالوا يقولون له: يا أمير المؤمنين، إنه ضالّ مضلّ كافر...
وجيء بالضرابين ومعهم السياط فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له - يعني المعتصم -: شدّ، قطع الله يديك، ويجيء الآخر فيضربني سوطين، ثمّ الآخر كذلك، فضربوني أسواطاً فأغمي عليّ، وذهب عقلي مراراً، فإذا سكن الضرب يعود علي عقلي... ثم أعادوا الضرب، فذهب عقلي، فلم أحسّ بالضرب، وأرعبه ذلك من أمري، وأمر بي فأطلقت، ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت، وقد أطلقت الأقياد من رجلي"، وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رمضان من سنة إحدى وعشرين ومائتين.1
وأمر المعتصم عم الإمام إسحاق بن حنبل أن يشيع في الناس أن الإمام بخير، وقال المعتصم: لو لم أفعل ذلك بأحمد لوقع شرّ عظيم. قال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البداية والنهاية10/348، سير أعلام النبلاء 11/251-252 والجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته 2/257.



ص -113- الذهبي: كأنه خاف أن يموت من الضرب، فتخرج عليه العامة ولو خرج عليه عامة بغداد لربما عجز عنهم.1
ولم يستطع خصوم الإمام أحمد أن ينالوا من إيمانه، أو يوهنوا من عقيدته، وإن نالوا بعض مآربهم من جسده الفاني وانتهى عهد المعتصم، وتولى الخلافة ابنه الواثق، وقد اشتد في عهده القول بخلق القرآن، وسبق أن ذكرت أنه قتل بيده العالم الجليل أحمد بن نصر الخزاعي لعدم إقراره بخلق القرآن، وكان الإمام أحمد في عهده معتقلاً في منزله، وأرسل إليه الواثق كتاباً يأمره فيه أن لا يجتمع بالناس ولا يساكنه بأرض ولا مدينة هو فيها.2
ولما ولي المتوكل على الله الخلافة استبشر الناس بولايته، فقد كان محباً للسنة وأهلها، ورفع المحنة عن الناس، وكتب في الآفاق: أن لا يتكلم أحد في القول بخلق القرآن، وخرج الإمام أحمد من هذه المحنة وهو أصلب عوداً، وأثبت يقيناً، وأقوى إيماناً، وأصفى نفساً، وأطهر قلباً، وأبقاه الله مثالاً للتضحية والثبات على الحق والتمسك به، وبعدها عاد إلى الدرس والتحديث مكرماً عزيزاً، ترفعه عزة التقى، وجلال السن والقناعة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سير أعلام النبلاء 11/259-260 وأصول مذهب الإمام أحمد ص45.
2 سير أعلام النبلاء 11/264، تاريخ بغداد 10/351 وأصول مذهب الإمام أحمد ص45.



ص -114- والزهادة، وحسن البلاء.
وشرع المتوكل في الإحسان إلى الإمام أحمد رحمه الله، وتعظيمه وإكرامه وكتب إلى نائبه ببغداد أن يبعث إليه بالإمام أحمد مجهزا ً معظماً مكرماً إلى سر من رأي.
قال عبد الله: فأمر لأبي بثياب، ودراهم، وخلعة فبكى وقال: أسلم من هؤلاء منذ ستين سنة، فلما كان آخر العمر ابتليت بهم. كما أمر المتوكل بشراء دار للإمام أحمد وأولاده، فقال الإمام لابنه صالح: لئن أقررت لهم بشراء دار ليكونن القطيعة بيني وبينك فلم يزل يدفع شراء الدار حتى اندفع.
وكان المتوكل لا يولي أحداً إلا بمشورة الإمام أحمد، ومكث الإمام إلى حين وفاته قل أن يأتي يوم إلا ورسالة الخليفة تنفذ إليه في أمور يشاوره فيها، ويستثيره.1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنهج الأحمد1/93، وسير أعلام النبلاء 11/269.



ص -115- وفاته:
مرض الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ليلة الأربعاء لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، ودخل عليه ابنه صالح وهو محموم يتنفس الصعداء فقال له: يا أبت ما كان غذاؤك؟ فقال الباقلا، فلما اشتدت علته، وتسامع الناس أقبلوا لعيادته، وكثروا، ولزموا الباب بالليل والنهار، وسمع السلطان بازدحام الناس، فأمر الجنود بالمرابطة عند بابه، وباب الزقاق المؤدي إلى منزله.
وكان قد كتب وصيته فقال: اقرؤها فقرئت عليه، وأمر ولده عبد الله أن يطالب سكان ملكه، وأن يكفر عنه كفارة يمين فأخذ شيئاً من الأجرة فاشترى تمراً، وكفر عن أبيه، ثم استدعى بالصبيان من ورثته فجعل يدعو لهم، وقد بلغه في مرضه عن طاووس أنه كان يكره أنين المريض فترك الأنين، فلم يئن حتى كانت الليلة التي توفي في صبيحتها أنّ حين اشتد به الوجع
وأِشار إلى أهله أن يوضّئوه فجعلوا يوضّئونه، وهو يشير إليهم أن خللوا أصابعي، وهو يذكر الله في جميع ذلك، فلما أكملوا وضوءه توفي رحمه الله ورضي عنه، وقد كانت وفاته يوم الجمعة حين مضى منه نحو من ساعتين وحملت جنازته بعد غسلها، وصلى عليه محمد بن عبد الله بن طاهر نائب بغداد، وحضر الصلاة عليه خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله، ودفن بباب حرب ببغداد وكان عمره يوم توفي سبعاً وسبعين سنة وأياماً



ص -116- أقل من شهر.1
رحم الله الإمام أحمد وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزى عباده الصالحين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المنهج الأحمد1/93 وما بعدها، والبداية والنهاية10/355 وما بعدها، ومناقب الإمام أحمد489.



ص -117- المبحث الحادي عشر آثار الإمام أحمد رحمه الله
قد رتبت هذه الآثار على الحروف الهجائية، ليسهل الرجوع إليها بيسر وهي:
1- كتاب الإرجاء، قرأه علي حنبل بن إسحاق في السجن، ويوجد في المتحف البريطاني برقم2675، ضمن الجامع للخلال.1
2- أسئلة عن الرواة الثقات والضعفاء.2
3- الأسماء والكنى، برواية ابنه صالح.3
4- الأشربة الصغير. طبع مراراً، وحققه الدكتور على المرشد للدكتوراه في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر.
5- الأشربة الكبير، رواية عبد الله وحرب الكرماني.4
6- كتاب الإمامة.5
7- أهل الملل والردة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض يوجد في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر محنة الإمام أحمد ص42، سير أعلام النبلاء 1/243.
2 فهرس مخطوطات الحديث بالظاهرية ص132.
3 المعجم المفهرس لابن حجر1/518، برنامج الوادي آشي ص272.
4 طبقات الحنابلة1/183.
5 سير إعلام النبلاء 11/330.



ص -118- مكتبة محمد بن حمزة بمكة المكرمة، والنسخة مصورة بدار الكتب المصرية.1
8- الإيمان، برواية ابن موسى الحسين بن الحسن الرازي، وبرواية عبد الله بن الإمام أحمد يوجد في المتحف البريطاني رقم2675.2
9- باب أحكام النساء، من كتاب الجامع للخلال. طبع بتحقيق أحمد عبد القادر عطوه.
10- التاريخ برواية أبي محمد الفضل بن محمد النيسابوري.3
11- الترجل، مخطوط في مكتبة محمد حمزة بمكة، 27ورقة، كتب سنة583هـ.4
12- التفسير، ذكره ابن المنادي وقال: إنه مائة ألف وعشرون ألفاً سمع منه عبد الله ثمانين ألفاً والباقي وجادة5، وكذا ذكره ابن النديم6،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فهرست الكتب المصرية (2/234) و (3/53) وتاريخ التراث العربي 1/3/225.
2 التخليص الحبير2/236، تاريخ التراث لسزكين1/3/226.
3 طبقات المفسرين للداودي 1/71، والإكمال 4/571، ومناقب الإمام أحمد 248، والفهرست لابن النديم 320.
4 تاريخ التراث العربي 1/3/225.
5 خصائص المسند ص23.
6 فهرست ابن النديم 320، تاريخ بغداد 9/375.



ص -119- ونوه به شيخ الإسلام ابن تيمية في غير موضع من فتاويه1، وأنكر الذهبي وجوده، وقال لو وجد لاجتهد الفضلاء في تحصيله ولاشتهر.2
13- الثلاث الأحاديث التي رواها الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، نسخة منه في دار الكتب الظاهرية مجموع59 ورقتان.3
14- جزء انتقاء الإمام محمد بن علي بن بحر بن بري.4
15- جزء فيه أحاديث عن الشافعي.5
16- جواب الإمام أحمد عن سؤال في خلق القرآن، مكتبة سراي ريفان بتركيا ورقة واحدة.6
17- جوابات القرآن.7
18- حديث شعبة.8

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مجموع الفتاوي 6/389 و 13/355.
2 سير أعلام النبلاء 11/328.
3 تاريخ التراث العربي 1/3/226.
4 ذكره الحاكم في المستدرك 3/298.
5 معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية 02/236.
6 فهرست معهد المخطوطات1/123، وذكره أبو يعلى في طبقات الحنابلة1/183، والداودي في طبقات المفسرين1/71.
7 فهرست ابن النديم320، وتاريخ بغداد9/375، وطبقات المفسرين1/71.
8 مناقب الإمام أحمد 248، وطبقات الحنابلة 1/183.



ص -120- 19- حديث الشيوخ.1
20- الرد على الجهمية.2
21- الرد على الزنادقة3، طبع بتحقيق محمد فهرشقفه.
22- رسالة إلى مسدد بن مسرهد، مطبوعة في طبقات الحنابلة.4
23- الزهد، طبع بمكة عام1357.
24- كتاب السنة الصغير طبع بالقاهرة، بدون تاريخ.5
25- كتاب السنة الكبير، طبع بمكة 1349 هـ.
26- شعر عن الموت واليوم الآخر، يوجد في مكتبة برلين.6
27- الصلاة، طبع في القاهرة 1322، 1323هـ، وفي مجموعة الحديث النجدية القاهرة1342. ويرى الذهبي أن كتاب الصلاة موضوع على الإمام أحمد.7

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ بغداد 9/375.
2 ذكره ابن النديم في الفهرست 320.
3 ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء 11/330.
4 طبقات الحنابلة 1/341، وتهذيب التهذيب 10/107-109.
5 تاريخ التراث العربي 1/3/222.
6 تاريخ التراث 1/3/223.
7 سير أعلام النبلاء 11/330.



ص -121- 28- طاعة الرسول برواية ابنه صالح.1
29- العقيدة، وقد رواها عنه عدة من تلاميذه وأتباعه، نشره محمد حامد الفقي ملحقاً لكتاب طبقات الحنابلة.2
30- علل الحديث، طبع قسم منه بأنقرة عام 1963م.
31- فضائل عليّ أخذ منه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 9/167-169-171-174.3
32- كتاب الفرائض، وقد وقف الذهبي على ورقة منه.4
33- فضائل الصحابة، حققه الدكتور وصيّ الله محمد عباس نال به درجة الدكتوراه في جامعة أم القرى.
34- فضائل أهل البيت.5
35- مختصر في أصول الدين والسنة، نسخة منه في مكتبة كلية الحقوق بجامعة طهران.6

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 طبقات المفسرين للداودي 1/71.
2 تاريخ التراث العربي 1/3/206-207، حلية الأولياء 9/16-219.
3 تاريخ التراث العربي 1/3/226.
4 طبقات المفسرين للداودي 1/71، سير أعلام النبلاء 11/328.
5 ذكره الحاكم في المستدرك 3/157.
6 تاريخ التراث العربي 1/3/306.



ص -122- "المسائل" وهو يضم إجابات الإمام أحمد على أسئلة تلاميذه في الفقه والعقائد والأخلاق وقد حرر تلاميذه هذه الإجابات وهي كثيرة منها.
36- المسائل برواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري.
37- المسائل برواية إسحاق بن منصور الكوسج، وهذه الرسالة جزء منه.
38- المسائل برواية أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، طبع بالقاهرة عام 1934.
39- المسائل برواية ابنه صالح، ويقوم بتحقيقه طالب في قسم الدراسات العليا، الدكتوراه بالجامعة الإسلامية- بالمدينة المنورة.
40- المسائل برواية ابنه عبد الله، طبع بالمكتب الإسلامي بدمشق عام 1400 وحققه الدكتور علي سليمان المهنا نال به درجة الدكتوراه بجامعة الأزهر عام 1403.
41- المسائل برواية عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ت214هـ يوجد في مكتبة الظاهرية بدمشق.1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ التراث العربي 1/3/224.



ص -123- 42- المسائل التي حلف عليها الإمام أحمد، جمعه أبو الحسين محمد بن أبي يعلى الفراء، مخطوط بالظاهرية.1
- قال الذهبي بعد أن عدد تلاميذ الإمام أحمد الذين رووا عنه المسائل فقال: وجمع أبو بكر الخلال سائر ما عند هؤلاء من أقوال وفتاويه وكلامه في العلل والرجال والسنة والفروع حتى حصل عنده من ذلك ما لا يوصف كثرة ورحل إلى النواحي في تحصيله، وكتب عن نحو مئة نفس من أصحاب الإمام، ثم كتب كثيراً من ذلك عن أصحاب أصحابه.2
43- المسند: وهو أكبر مسند وصل إلينا، ويضم حوالي ثلاثين ألف حديث، وطبع في ست مجلدات بالقاهرة 1313هـ.
وقام الشيخ أحمد بن محمد شاكر بتحقيقه، وأتم ثلث الكتاب في خمسة عشر مجلداً وأدركته المنية، كما رتبه الشيخ عبد الرحمن البنا الساعاتي على أبواب الفقه وشرح غريبه.
44- المناسك الصغير.3
45- كتاب المناسك الكبير.4

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ الأدب العربي 1/324، تاريخ التراث العربي 1/3/225.
2 سير أعلام النبلاء 11/331، وتاريخ التراث العربي1/3/225.
3 الفهرست لابن النديم ص320، مناقب الإمام أحمد ص248.
4 تاريخ بغداد 9/375، طبقات الحنابلة 1/183.



ص -124- 46- كتاب المقدم والمؤخر في كتاب الله.1
47- كتاب الناسخ والمنسوخ.2
48- كتاب نفي التشبيه، مجلد.3
49- كتاب الورع والإيمان، طبع بالقاهرة 1340.4
50- كتاب الوقوف والوصايا، يوجد نسخة منه في دار الكتب المصرية بالقاهرة، وفي مكتبة محمد بن حمزة ضمن مجموع في حوالي 70 ورقة.5

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مناقب الإمام أحمد ص248، تاريخ بغداد 9/375.
وانظر: تذكرة الحفاظ 2/664، وطبقات الحنابلة 1/8.
2 الفهرست لابن النديم ص320، وسير أعلام النبلاء 11/328، والمراجع السابقة.
3 سير أعلام النبلاء 11/330.
4 تاريخ التراث العربي1/3/223.
5 تاريخ التراث العربي1/3/225.



ص -127- المبحث الأول اسمه، ونسبه، ولقبه، وشهرته
هو الإمام الحافظ الكبير، شيخ أهل المشرق وعالمها، فقيه خراسان1 إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله بن مطر بن عبيد الله بن غالب بن وارث بن عبيد الله بن عطية بن مرة بن كعب بن همام بن أسد بن مرة بن عمرو بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي، ثم الحنظلي المرزوي، نزيل نيسابور.
وكنيته أبو يعقوب، وكان يكنى أبا محمد نسبة إلى أحد أولاده: محمد بن إسحاق بن راهوية، وكان فقيهاً جليلاً تتلمذ على والده والإمام أحمد.2
وشهرته ابن راهوية، وإنما اشتهر بها، لأن والده ولد في طريق مكة فقالت المراوزة: راهوية، لأنه ولد في الطريق، وقد سأل الأمير عبد الله بن طاهر3 الإمام إسحاق فقال له: لم قيل لك ابن راهوية، وما معنى هذا،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تذكرة الحفاظ 2/433-434.
2 سير أعلام النبلاء 11/358، وتاريخ بغداد 6/347، وتهذيب الكمال 2/373، وطبقات الحنابلة 1/269، وجمهرة أنساب العرب223.
3 هو أمير المشرق أبو العباس عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي كان المأمون ولاه الشام حرباً وخراجاً، فخرج من بغداد إليها واحتوى عليها وبلغ مصر ثم عاد فولاه إمارة خراسان، وأقام بها حتى مات سنة ثلاثين ومائتين، وكان شجاعاً مهيباً عاقلاً جواداً كريماً.
انظر: تاريخ بغداد 9/483، وشذرات الذهب 2/68.



ص -128- وهل تكره أن يقال لك ذلك؟ فقال: اعلم أيها الأمير أن أبي ولد في طريق مكة، فقالت المراوزة راهوية، لأنه ولد في الطريق، وكان أبي يكره هذا وأما أنا فلا أكرهه1.
وكما كان والد إسحاق يكره أن يدعى براهوية كان الإمام أحمد يكره أن يدعى قرينه ورفيق حياته بذلك، فقد ذكر الخطيب البغدادي عن أحمد بن حفص السعدي2 يقول: ذكر أحمد بن حنبل وأنا حاضر إسحاق بن راهوية فكره أحمد أن يقال راهوية، وقال: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي3، وهذا من تمام أدبه وورعه مع زميله الإمام إسحاق رحمه الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سير أعلام النبلاء 11/296.
2 أحمد بن حفص السعدي من تلاميذ الإمام أحمد وحدث عنه بأشياء طبقات الحنابلة 1/41.
3 تاريخ بغداد 6/348.



ص -129- المبحث الثاني "ولادته، ونشأته"
اختلفت الأقوال في تاريخ ولادته إلى أقوال، وأرجح الأقوال أنه ولد سنة إحدى وستين ومائة رجح هذا القول الخطيب البغدادي فقال بعد أن ساق عن الإمام البخاري: أن إسحاق بن راهوية توفى وهو ابن سبع وسبعين سنة قال الخطيب: وهذا يدل على أن مولده كان في سنة إحدى وستين ومائة قبل مولد أحمد بن حنبل بثلاث سنين.1
وكان ولادته في مدينة مرو الشاهجان التي هي قاعدة بلاد خراسان على نهر مرغاب، فتحها الأحنف بن قيس أيام الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وسكن فيها من الصحابة بريدة بن الخصيب والحكم بن عمر الغفاري، وبذروا فيها بذور العلم والحكمة، فأضحت المدينة الكبرى، والدار العظمى مربع العلماء، ومرتع الملوك والوزراء، وأخرجت كثيراً من علماء الدين والأعيان ما لم تخرج مدينة مثلهم، منهم الإمام أحمد، وسفيان الثوري، وعبد الله ابن المبارك، وهي مدينة حسنة المنظر، في أهلها رفق ولين الجانب2 وحسن المعاشرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ بغداد 6/347، 355، وتهذيب الكمال للمزي 2/378.
2 إعجام الأعلام ص 236، وآثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ص456-457.



ص -130- في هذه الأرض الطيبة، والطبيعة الخلابة، والبيئة العلمية نشأ الإمام إسحاق بن راهوية في كنف أبيه التقي الورع المتحضر للمجد والسؤدد الذي قال فيه أحمد بن سعيد الرباطي1 في جملة أبيات يمدح فيها الإمام إسحاق فقال:

أبوك إبراهيم محض التقى سباق مجد وابن سباق2

فأخذ والده بتنشئته تنشئة علمية، ووجهه إلى التفقه في الدين فاتجه إلى هذا المجال يساعده في ذلك ذكاؤه المتوقد، وقوة ذاكرته العجيبة، وسرعة حفظه النادرة، فأدرك عصر النشاط العلمي الذي كان لبلده نصيب وافر فيه، فكان لهذه الأسباب أثر في نبوغه وشهرته، وتفوقه على أقرانه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو أحمد بن سعيد بن إبراهيم الرباطي المرزوي أبو عبد الله الأشقر ثقة حافظ مات سنة ست وأربعين ومائتين.
تقريب التهذيب ص12، وتاريخ بغداد 4/165.
2 حلية الأولياء 9/234، وطبقات الشافعية للسبكي 1/235.



ص -131- المبحث الثالث طلبه للعلم، ورحلاته
ابتدأ الإمام إسحاق رحمه الله منذ نعومة أظافره بطلب العلم فالتحق بالكتاب، وحفظ بعض المجاميع، وتلقى الفقه، كما ذكر لدى مناقشته أحد الفقهاء في مجلس الأمير عبد الله بن طاهر.1
كما حضر مجالس كبار علماء بلده مثل عبد الله بن المبارك وهو صبي حدث، ثم ترك الرواية عنه لحداثته، ولأنه لم يجد في نفسه الكفاءة التامة المطلوبة لذلك2، كما التقى بطائفة جليلة من أقطاب أئمة عصره، أمثال الفضل بن موسى السيناني، وعمر بن هارون3 والنضر بن شميل المازني، ويحيى بن واضح4، وخلق سواهم.5

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ بغداد 6/353.
2 تهذيب الكمال 2/378.
3 هو عمر بن هارون بن يزيد الثقفي مولاهم البلخي كان حافظاً توفى سنة أربع وتسعين ومائة. تقريب التهذيب ص257، وتاريخ بغداد 11/187.
4 هو يحيى بن واضح الأنصاري مولاهم أبو تميلة - بمثناة مصغر - المرزوي مشهور بكنيته ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
انظر: تقريب التهذيب ص380، والجرح والتعديل 9/194.
5 طبقات الشافعية 1/233.



ص -132- وكان لهؤلاء الشيوخ أثر كبير في توجيه الإمام إسحاق العلمي، ولما أحس أنه قد أخذ الحديث والفقه، وغيرها من العلوم من علماء بلده، وما حولها من بلاد خراسان، ابتدأ في الرحلة لطلب العلم، فكان أول رحلاته إلى بغداد حاضرة العالم الإسلامي ومهد العلوم، ومقصد طلاب العلم من شتى الأمصار الإسلامية آنذاك، وكان ذلك سنة أربع وثمانين ومائة وهو ابن ثلاث وعشرين سنة.1
ثم تتابعت رحلاته، فورد بغداد غير مرة، ورحل إلى الحجاز واليمن والشام2 فسمع من علمائها، وتوطدت العلاقة بينه وبين قرينه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فكانا يتذاكران العلم، حتى غفلوا عن التكبير لانشغالهما بالمذاكرة.3
وقال الإمام إسحاق رحمه الله: كنت أجالس أحمد وابن معين، ونتذاكر فاقول: ما فقهه؟ وما تفسيره؟ فيسكتون إلا أحمد4 وكان صدراً في مجالس العلماء، يدير المناقشة بين الحاضرين، ويلقي الأسئلة، كما نقل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وسير أعلام النبلاء 11/369-370.
2 تاريخ بغداد 6/345-346.
3 سير أعلام النبلاء 11/193.
4 المرجع السابق 11/188.



ص -133- ذلك محمد بن يحيى الذهلي1 قال: وافقت إسحاق ابن إبراهيم صاحبنا سنة تسع وتسعين ببغداد اجتمعوا في الرصافة أعلام أصحاب الحديث فمنهم أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهما فكان صدر المجلس لإسحاق، وهو الخطيب.2
والتقى الإمام إسحاق رحمه الله بالإمام الشافعي أثناء رحلته مع الإمام أحمد إلى الحجاز، فقد قال إسحاق بن راهوية: لقيني أحمد بن حنبل بمكة فقال: تعالى حتى أريك رجلاً لم تر عيناك مثله، فأراني الشافعي.
وقال: وكان أحمد يجالس الشافعي، وكنت لا أجالسه. فقال لي أحمد يا أبا يعقوب: لم لا تجالس هذا الرجل؟ فقلت: ما أصنع به وسنه قريب من سننا؟ كيف أترك ابن عيينة وسائر المشايخ لأجله؟ قال: ويحك هذا يفوت، وذلك لا يفوت، قال إسحاق فذهبت إليه، وتناظرنا في كراء بيوت أهل مكة3.
ونقل نتيجة هذه المناظرة الإمام أحمد رحمه الله الحكم العدل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذويب الذهلي النيسابوري ثقة حافظ جليل مات سنة ثمان وخمسين ومائتين.
انظر: تقريب التهذيب 323، وشذرات الذهب 2/138.
2 تاريخ بغداد 6/352.
3 المنهج الأحمد 1/121، وطبقات الشافعية الكبرى 1/236.



ص -134- والصديق الحميم للمتناظرين، قال صالح بن أحمد بن حنبل قال أبي "جلست أنا وإسحاق بن راهوية يوماً إلى الشافعي، فناظره إسحاق في السكنى بمكة، فعلا إسحاق يومئذ الشافعي".1
كما ناظره في جلود الميتة إذا دبغت، فقال الشافعي: دباغها طهورها فقال إسحاق: ما الدليل؟ فقال الشافعي:حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم "مر بشاة ميتة فقال: هلا انتفعتم بجلدها"، فقال إسحاق: حديث ابن عكيم: "كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" أشبه أن يكون ناسخاً لحديث ميمونة أنه قبل موته بشهر، فقال الشافعي: هذا كتاب وذاك سماع فقال إسحاق: إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر وكان حجة عليهم عند الله فسكت الشافعي.2
كما التقى خلال رحلاته بعبد الرزاق الصنعاني باليمن فقد قال: كنت مع أحمد بن حنبل عند عبد الرزاق، وكان معي جارية، وسكنا فوق وأحمد أسفل في البيت فقال لي: يا أبا يعقوب هوذا يعجبني ما أسمع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ بغداد 6/351.
2 طبقات الشافعية 1/327.
سيأتي إن شاء الله تخريج الأحاديث وتوثيق قول الإمام أحمد وإسحاق في قسم التحقيق.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه - الجزء الأول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه - الجزء الأول
» مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه - الجزء الأول
» مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه - الجزء الأول
» مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه - الجزء الأول
» مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه - الجزء الثاني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات كل جديد  :: الركن الإسلامى :: منتدى الكتب والموسوعات والموضوعات الاسلاميه-
انتقل الى: